ترتفع بين الحين والآخر أصوات من كلّ الأقطار العربيّة شاكية مُرَّ الشّكوى
من الضّعف العامّ في اللّغة العربيّة، ومتألّمة من الوضع المؤسف
الّذي وصلت إليه هذه اللّغة على أيدي أبنائها، ومتوجِّسة الخوف الشّديد
من خطر هذا الضّعف الّذي يزداد مع الأيّام سوءًا،
ويتفاقم بإهمال شأنه صعوبة وتعقيداً.
ولا شكّ أنّ هذه الصّيحاتِ صادقة في التّعبير عن هذه المحنة الواقعيّة
الّتي لا يُنكرها إلاّ مكابر، وصادقة في وصف الأخطار الماحقة المدمّرة
الّتي تترتّب عليها إن استمرّتْ ولم يسارع أهل اللّغة الغيارَى
على لغتهم إلى علاج ضعفها لدى القوم، والعمل على إعادة العافية إليها بينهم.
مظاهر الضّعف العامّ في اللّغة العربيّة
- الجهل بقواعد الإملاء ومصطلحاته؛
فكُتِبَتْ همزةُ الوصل في أوّل الكلمة همزَةَ قطع، وهمزةُ القطع
همزةَ وصل، وكتُبت الهمزة المتوسّطة والمتطرّفة بأوضاع
مخالفة للقواعد المتعارف عليها، وأُهملت الشَّدَّة الّتي يعني إهمالُها إسقاطَ
حرفٍ من الكلمة، ووقوعَ اللَّبْس في بعض الكلمات، وأهمل نقط الذال
المعجمَة وصارت دالاً مُهَّملَة، وعوملت الثّاءُ بنقطتين فقط فصارت مُثَنّاة،
وأُهمل نقط التاءُ المقفَلَة فساوت الهاءَ في آخر الكلمة رسماً ونطقاً،
وكُتِبت الألف اللّيّنة في آخر الكلمة على حسب مزاج الكاتب
ممدودةً أو مقصورةً بلا اعتبار للقواعد المعروفة، وكُتِبت التّاءُ المقفلَة مفتوحة
والمفتوحة مقفلَة، وكُتِبت ألفٌ بعد واو (أرجو، ويدعو ويشكو .. وأمثالها).
وهكذا سادت الفوضى والعبث في قواعد الإملاء العربيّ في الكتب
والصّحافة والرّسائل والتّقارير وفي كلّ مكتوب.
- الجهل بالقواعد الصّرفيّة الواضحة الّتي يتلقّاها المتعلّم عادةً في مرحلته التعليميه
من ذلك قولهم على سبيل المثال : دعيْت بدلاً من دعوت،
واستمرّيْنا بدلاً من استمررنا، ومُصان بدلاً من مَصون،
والكبرتان بدلا من الكبريان، والهاديون بدلاً من الهادون…
- الجهل بقواعد النّحو العربيّ جهلاً عمّت به البلوى حتّى أصبح ملازماً للكتابة إلاّ فيما ندر
فنصبوا المرفوع وجرّوا المنصوب، ولم يفرّقوا بين حالات
الإعراب للمثنَّى وجمع المذكّر السّالم، وكتبوا الأعداد بالحروف
كتابةً غريبة مخالفة للقواعد المرعيّة، ولم يعرفوا للصّفة أحكاماً،
ولم يميّزوا بين النّكرة والمعرفة، وغير ذلك ممّا يطول الكلام فيه
ولا نستطيع له حصراً.
- كثرة الأخطاء اللّغويّة الشّائعة المخالفة للمسموع من اللّغة وأصولها الثّابتة
كقولهم : جماد بدلاً من جُمادَى، ووريث بدلاً من وارث،
والمبروك بدلا من المبارَك، و"لا يجب.." بدلاً من "يجب ألاّ..
"، "وسوف لا"بدلا من "لن"، إلى آخر القائمة الطّويلة من الأخطاء اللّغويّة الشّائعة.
- الجهل بمعاني الأدوات اللغويّة ووظائفها، بحيث تُستْعمل استعمالاً
اعتباطيّاً لا تُراعَى فيه دقة توظيف الأداة
كعدم تفريقهم بين : "إذا" و"إن" الشّرطيّتين، و"لم" و"لما" الجازمتين،
وحرفي الجواب "نعم" و"بلى"، و"لا"النافية للجنس و"لا"النّافية للوحدة،
وكاستعمال أداة التوكيد في موضع لا يقتضي التوكيد، وسوء استعمالهم
لـ"أحد" و"إحدى" في مثل قولهم: إحدى المستشفيات وأحد المدارس…