انتشار الهواتف المحمولة أدى لانقراض العديد من الأدوات والأجهزةمضت سنوات طويلة على الوقت الذي كان يكتفي فيه الهاتف المحمول بالقيام بدور الأداة التي يتم عن طريقها إجراء المكالمات، فقد أضاف الهاتف إلى وظيفته هذه أطنانا أخرى من الوظائف والخواص. إن من الصعب جدًا حصر الوظائف التي يقوم بها هاتف ذكي واحد من الأنواع التي تباع هذه الأيام.
من ناحية أخرى انتشر الهاتف المحمول انتشارا هائلا في العالم في وقت قصير جدا، ربما أكثر من أي اختراع آخر، وهناك دول -مثل بريطانيا- أصبح فيها هواتف محمولة أكثر من عدد السكان! بمعنى أن هناك عددا كبيرا من الناس لديهم أكثر من خط محمول فزاد عدد الخطوط على عدد السكان الفعليين.
هذا التطور الرهيب والانتشار الهائل للهواتف المحمولة أدّى إلى دخول أدوات عديدة -كانت ذات شعبية فيما مضى- إلى مرحلة التقاعد ثم الانقراض. في السطور التالية نلقي نظرة على بعض الأدوات التي استطاع المحمول القضاء عليها، أو التي باتت في انتظار رصاصة الرحمة.
"البيجر"
كان تعليق جهاز "البيجر" في حزام البنطال يعني أنك شخص مهم، في أية لحظة قد يصفّر الجهاز مما يعني ضرورة توجّهك إلى العمل فورا. "البيجر" الذي كان يحمله الأطباء الجراحون والطيارون والعاملون في أماكن حيوية صار يعامل الآن معاملة الحفريات الأثرية بعد أن فقد معناه ومغزى وجوده.
ظهر "البيجر" للمرة الأولى عام 1959 على يد شركة موتورولا، واستغرق الأمر حوالي 15 عاما ليبدأ في الانتشار على المستوى التجاري. "البيجر" هو جهاز اتصال أحادي الاتجاه، وكل ما كان يفعله هو تنبيه المستخدم إلى أنه قد استلم رسالة. هو حتى لا يملك القدرة على عرض الرسالة، وإنما كان على المستخدم أن يتصل برقم معين ليعرف ما هي الرسالة. إضافة إلى هذا فقد كان مداه قصيرا جدا، ولم يزد هذا المدى إلا في التسعينيات حين صارت له شعبية ما، بحيث وصل عدد مستخدميه إلى حوالي 60 مليون مستخدم حول العالم. في ذلك الوقت كانت أجهزة المحمول قد بدأت غزوها للأسواق وإزاحة "البيجر" عن عرشه شيئا فشيئا، إلى أن صار استخدامه محدودا جدا، ويقتصر على أوقات الطوارئ والكوارث حين تتوقف خدمات الهواتف المحمولة، مثلما حدث عند هجمات سبتمبر 2001، وإعصار كاترينا المدمّر عام 2005.
كبائن الهواتف العامة
لطالما كنا نعاني مع كبائن هواتف الخدمة العامة التي كانت تنشرها الهيئة القومية للاتصالات في أماكن محدودة، وكان المفترض أنها تعمل بالعملات المعدنية، لكن في حقيقة الأمر أنها لم تكن تستجيب سوى في حالات نادرة! ثم في 1998 ظهرت شركتان خاصتان نشرتا كبائن هواتف أنيقة تعمل بالكروت المدفوعة مقدما في معظم أنحاء الجمهورية على غرار تلك الموجودة في الغرب، هما "ميناتل" و"النيل" التي تحوّلت بعد ذلك إلى "رينجو"، إضافة إلى كبائن "مرحبا" التي تمتلكها المصرية للاتصالات، وقد حققت هذه الكبائن شعبية كبيرة ونجاحا لافتا للنظر حين كان سعر دقيقة المحمول لا يزال باهظا.
أول كابينة هاتف عامة تم إنشاؤها عام 1889 في الولايات المتحدة، وكان هناك موظف يقوم بتحصيل قيمة المكالمات بنفسه بالقرب من الهاتف! بعد 13 عاما من أول كابينة وصل عدد كبائن الهواتف في الولايات المتحدة إلى 80 ألفا! واصلت الكبائن الانتشار، إلى أن وصلت إلى ذروة نجاحها عام 2000 حين وصل عدد الكبائن في الولايات المتحدة إلى مليوني كابينة، ليبدأ الانحدار بعد ذلك.
بين عامي 2007 و2008 انخفض عدد هذه الكبائن في الولايات المتحدة بنسبة 58%، وهذه نسبة هائلة في الحقيقة، واليوم لا يزيد عددها على 700 ألف، ومن المتوقع أن يقل هذا الرقم كثيرا في المستقبل. وفي مصر صارت هذه الكبائن مهملة تماما، واختفت كروت تشغيلها من الأسواق بعد أن أهملها المستخدمون الذين صاروا يعتمدون على الهواتف التي في جيوبهم.
الهواتف الأرضية
تُوفّر الهواتف الأرضية وسيلة اتصال ثنائية الاتجاه ذات كلفة منخفضة، مما يجعلها مناسبة للأسواق والدول النامية على وجه الخصوص. ظلت هذه الهواتف في حالة ازدهار حتى خلال فترة طوفان الهواتف المحمولة، إلى أن تقلصت الهوة بين أسعار المكالمات الأرضية والمكالمات المحمولة، فبدأ الناس يستغنون عن الهواتف الأرضية ويفضّلون ميزة حرية الحركة التي توفرها الهواتف المحمولة مقابل فرق السعر البسيط.
عام 2000 توقف نمو الهواتف الأرضية في الدول المتقدمة، وبعدها بعامين انخفض معدل امتلاك الهواتف الأرضية من 57 لكل مائة شخص إلى 50 لكل مائة شخص. في الفترة التالية ظلت الهواتف الأرضية في حالة نمو في الدول النامية، ثم بدأت في الانحدار، إلى أن وصل معدل امتلاك الهواتف الأرضية عالميا إلى 19 لكل مائة شخص عام 2007.
وفي مصر انخفض عدد الخطوط الأرضية من 11 مليونا إلى 9 ملايين خلال وقت قصير. إن الأمر الذي يحدّ حتى الآن من تناقص الخطوط الأرضية بشكل كبير هو أنها تستخدم لتقديم خدمات الإنترنت عن طريق الـDSL، وهذا حتى تنتشر أكثر خدمات الإنترنت التي تقدّم عن طريق خطوط الهواتف المحمولة، حيث تقدّم الإنترنت عن طريق تكنولوجيا الجيل الثالث والجيل الرابع، وعندها سيصبح بقاء الخطوط الأرضية محل شكّ.
ةPDA والمفكرات الشخصية
منذ سنوات اشتهرت شركة كاسيو ببيع مفكرات شخصية إلكترونية صغيرة تشبه الآلة الحاسبة، يتم فيها تسجيل المواعيد على النتيجة الموجودة على الجهاز، مع منبه يصفّر لك قبل الموعد. كان يبتاع هذه الأجهزة رجال الأعمال والسكرتيرات، وكل من يريد أن يدّعي أنه إنسان مهم! اليوم يستطيع أن يقوم بهذه الوظائف أرخص وأردأ هاتف محمول.
هناك أيضا أجهزة الـPDA التي تمثل جيلا أكثر تطورا من مفكرات كاسيو العتيقة. اليوم تستطيع الهواتف الذكية أن تقوم بكل ما يمكن للمفكرات الإلكترونية أن تقوم به وأكثر، وبالتالي لم يعد لوجودها مبرر، ولهذا فمعظم الشركات التي كانت تنتج أجهزة الـPDA قد حوّلتها إلى هواتف محمولة، وانضمت للسباق على طريقة "إذا لم تستطع أن تغلبهم، انضمّ إليهم!".
أجهزة تحديد المواقع GPS
تعود هذه الأجهزة إلى عام 1990 عندما صنعت شركتا ميتسوبيشي وبيونير أول جهاز لتحديد المواقع باستخدام الأقمار الصناعية لاستخدام الأفراد. بعد هذا التاريخ بخمس سنوات ظهر أول جهاز GPS مخصص للسيارات. وعلى مدى السنوات تطوّرت هذه الأجهزرة بشكل كبير وزادت دقتها ورخصت أسعارها وصارت لها شعبية كبيرة.
مع ظهور مفهوم الهواتف الذكية، وزيادة مساحة شاشات الهواتف المحمولة؛ حتى تخطت البوصات الأربع في بعض الموديلات، وتضمين هذه الهواتف شرائح لالتقاط خدمة الـGPS، ابتلعت الهواتف حصة كبيرة من سوق هذه الأجهزة، وصارت الشركات التي تنتج هذه الأجهزة في مأزق حقيقي
مشغلات MP3
إن أكبر منتج لمشغّلات الـMP3 في العالم اليوم هو شركة نوكيا التي تنتج الهواتف المحمولة! معظم الهواتف اليوم تأتي مع مشغل MP3 مدمج يتمتع بجودة ممتازة؛ فما الداعي إذن لإنفاق المزيد من المال على مشغل MP3؟
في واقع الأمر فإن مبيعات مشغّلات MP3 لم تتأثر إلى حد خطير حتى الآن؛ فهي تقدم سعات تخزين لعدد أكبر من الأغاني، إضافة إلى فترات استماع أطول لأن بطارية الهاتف المحمول تستهلك سريعاً بسبب الوظائف العديدة التي يقدّمها؛ هذا بخلاف تجربة الاستماع الرائعة التي توفّرها أجهزة الآيبود من Apple.
لكن مؤشرات انخفاض المبيعات قد بدأت بالفعل؛ فبين كل منتجات Apple، كانت أجهزة الآيبود هي الوحيدة التي سجّلت انخفاضاً في المبيعات.
[img]
http://www.smartshabab.net/images/article/905.jpg[/imgالآلات الحاسبة
يمكننا أن نشبه الآلات الحاسبة وسط العائلة الكمبيوترية بالكائنات وحيدة الخلية! بدأ العصر الذهبي للآلات الحاسبة في السبعينيات؛ حين صغرت في الحجم وصارت أقل استهلاكاً للطاقة.
وخلال كل هذه السنوات لم تتطور الآلات الحاسبة بشكل كبير؛ فيما عدا بعض الآلات الحاسبة التي كانت تقوم ببعض الوظائف المعقدة غير الشائعة، وهي وظائف يقوم بها الكمبيوتر أيضاً وبشكل مجاني.
وفي عام 2004 أضافت نوكيا الجذر التربيعي إلى قائمة الوظائف البسيطة التي تقدمها الآلات الحاسبة في هواتفها المحمولة، ثم صارت هناك هواتف ذكية تقدم آلات حاسبة علمية تقوم بكل الوظائف المعقدة بشكل أسرع بكثير من الآلات الحاسبة نفسها، معلنة توجيه الضربة القاضية للآلات الحاسبة.
لعشرات السنين كانت المنبهات أدوات أساسية في كل بيت به شخص يعمل أو طالب يذهب إلى المدرسة. واليوم يندر أن يوجد أحدها في أحد البيوت.
ربما يعود المنبه إلى عصر الإغريق؛ حيث اخترع الفيلسوف "بلاتو" منبهاً يعمل بالمياه! أخذت المنبهات تتطور إلى أن وصلت إلى الشكل الإلكتروني، ثم اندمجت في الهواتف المحمولة ولم يعد أحد يشتريها!
يمنحك المنبه الموجود في الهاتف المحمول حرّية اختيار أية نغمة أو أغنية تحب أن تصحو عليها، مع إمكانية أخذ غفوة، وإمكانية ضبط مواعيد مختلفة ليرنّ فيها يومياً أو أسبوعياً، مع إمكانيات أخرى تضيفها الشركات وفقاً لنوع الهاتف؛ الأمر الذي لا يتوافر في المنبهات التقليدية.
ساعات اليد
الهاتف المحمول هو جهاز يتوافر دائماً معك، وهو يحتوي على ساعة لمعرفة الوقت؛ فلمَ إذن نحمل جهازاً آخر كل وظيفته هي معرفة الوقت؟
ربما لا تزال الأجيال الأكبر سناً متمسكة بساعات اليد؛ لكن الأمر الملحوظ هو أن الأطفال والشباب قد تخلّوا عنها إطلاقاً وصاروا ينظرون في شاشة الموبايل عِوضاً عن هذا.. ما يجعل الساعة تقاوم الانقراض حتى الآن هو أنها قطعة إكسسوار هامة لمن يريد أن يهتم بمظهره، كما أن ارتداء الأنواع الغالية منها هو وسيلة من وسائل التفاخر الاجتماعي؛ فهي رمز في حد ذاتها، أما الأنواع الرخيصة من الساعات فقد أخذت طريقها بالفعل إلى الانقراض.
الكاميرات الرقمية
معظم الهواتف المحمولة اليوم تحمل كاميرات رقمية على ظهورها، بل وتصور الفيديو أيضاً بجودة معقولة؛ فما الداعي إذن لشراء كاميرا رقمية؟ ومرة أخرى هنا نقول إن المنتج الأكبر للكاميرات الرقمية في العالم هو شركة نوكيا!
في عام 2009 انكمش عدد الكاميرات الرقمية المبيعة في العالم بنسبة 14% مقارنة بـ2008، مع ملاحظة أن أسعارها انخفضت بنسبة تقترب من 70%؛ بينما كاميرات الهواتف المحمولة تصير أقوى وأقوى وتضيف المزيد والمزيد من الوظائف. بعض كاميرات الهواتف تصل دقته إلى 12 ميجا بكسل، والبعض به زووم بصري أيضاً، وبالتالي فقد تقلصت الهوة بينها وبين الكاميرات الرقمية إلى حد كبير؛ مما يهدد بإقصائها عن الساحة.
أجهزة الألعاب المحمولة
كانت هذه الأجهزة ذات شعبية فائقة بين الأطفال لسنوات طويلة؛ لكن بعد أن أصبحت الهواتف المحمولة بالقوة الحالية وبهذه الشاشات الكبيرة، انتقل اهتمام مبتكرو الألعاب إلى الهواتف المحمولة كمنصات أفضل وأكثر متعة للعب. كان هاتف نوكيا N-Gage هو أول محاولة لصنع هاتف مخصص للعب؛ لكن هذه التجربة لم تنجح لأن قدرات "الهاردوير" للهاتف لم تكن قد وصلت بعد إلى المستوى الذي يكفل لها تشغيلاً سريعاً وسلسلاً للألعاب.
أما اليوم فقد تطورت الهواتف بشكل كبير؛ من حيث سرعة المعالج وبطاقة معالجة الرسوم، إضافة إلى احتواء الهواتف الحديثة على أجهزة كالبوصلة والجيروسكوب والكاميرا وشاشة اللمس، وكلها أدوات يمكن استغلالها لابتكار ألعاب أكثر قوة وإمتاعاً، وفوق كل ذلك هناك إمكانية اللعب الجماعي عبر تقنيات "الواي فاي" و"البلوتوث".
لقد صارت الهواتف الذكية ذات الشاشات اللمسية الكبيرة مؤهلة تماماً لإخراج أجهزة قوية وذات شعبية مثل بلاي ستيشن المحمولة من الأسواق.
ربما كان العيب الوحيد في اللعب على الهواتف المحمولة هو افتقارها للأزرار الكبيرة المريحة أثناء اللعب؛ لكن لن يمر وقت طويل حتى تظهر أدوات يمكن توصيلها بالهاتف لتلعب دور عصا الألعاب.
كلمة أخيرة
حسناً، هذه أدوات كثيرة حقا؛ لكن القائمة من المرجّح أن تنمو أكثر، نحن لم نتطرق هنا مثلاً لأجهزة الراديو الرقمية الصغيرة، أو لأجهزة ستوب واتش (ساعة الإيقاف) التي يستخدمها الرياضيون، أو مفكرات الهاتف الورقية التي كنا نكتب فيها أرقام الهواتف في عصر ما قبل الموبايل.
أيضاً مع دخول الموبايل إلى سوق تقديم الخدمات البنكية وخدمات تحويل الأموال، صارت البنوك هي أيضاً في دائرة التهديد.
لكن لعل أغلى ما قضى عليه هذا الجهاز هو الخصوصية والقدرة على "التزويغ"؛ فأينما كنت ستجد من يتصل بك ويسألك "أين أنت؟" ولا سبيل لادعاء أنك لم تسمع الرنين؛ فالرقم يتم تسجيله على الشاشة.. منذ أن ابتعت جهاز الموبايل فقد انتهت خصوصيتك إلى الأبد!