يتّسم الشعر الزِّنجي - أينما كان - بقسط وافر من الغموض والإبهام.. ومضامير الآداب عند الزِّنجيقيين تختلط متشابكة فيما بينها؛ فيصعب على الشعر أن ينفصل عن النثر فهُما يتناوبان في القصيدة نفسها.. وغالباً ما ينتعش النثر بنفحة شعريّة أصيلة.
حين تنبجسُ حولي الذكرياتُ ذكريات محطاتِ ترحالٍ ملهوفٍ على شفا الهوّةِ لبحارٍ من جليدٍ تغرقُ غلاّت الحصادِ فيها وتغور. وحين تعود الأيامُ التائهة التي تتقطّع قدداً هناك خلفَ مغاليقِ النوافذِ الموصدةِ ارستقراطيةً تغدو الكلماتُ كيما تعانقَ الفراغَ .. آنئذٍ يا أمّي ببالي تخطرينَ بأجفانكِ أحرقَتْها السنواتُ وبابتسامتكِ على لياليَّ يا أمّي أنا .. يا أم الزنجي أفقَدوه البصر وتزفُّ إليه الأزاهيرُ هدية! أنصتي إلى صوتكِ.. أنصتي فصوتك صراخٌ تَجُوزه الضراوة وما صوتك إلا نشيدٌ رائدهُ الحب والمحبَة
أيتها المرأةُ السوداء أيتها المرأةُ الإفريقية أنت يا أمي تخطرينَ ببالي إيه يا (دامن) يا أمي أنتِ يا مَن شِلتني على ظهرِك أنت يا مَن أرشدْتِ أُولى خطواتي أنتِ يا أوّلَ من أشرعَ ناظريَّ على البسيطة وأعاجيبِها أنتِ يا أمّي تخطرينَ ببالي أنتِ يا (دامن) يا أمي.. أنتِ يا من كنتِ تُكفكِفينَ عَبَراتي وتُبهجين فؤادي أنتِ يا من كنتِ تتجلّدين إزاء نزواتي كم لايزالُ بودّي أن ألبثَ بقربك وأن أعودَ طفلاً إلى جانبكِ أيّتها المرأة الوادعةُ البسيطة يا امرأة الاستسلام والخضوع! أنتِ يا أمّي تخطرينَ ببالي إيهِ يا دامن يا أمّي إليك ترنو خواطري ولا تنِي وخواطركِ في كلّ خطوةٍ تلازمني أنتِ يا (دامن) أمي شكراً شكراً لكِ على كلِّ ما أسديتِ إلي أنا ابنُكِ البعيدُ عنكِ بُعداً قصيًّا والقريبُ منكِ قُرباً دنيًّا!
"ييليليه"، يا شجرةَ الباؤوباب .. لتدوّينَّ قصيدتي أنشودةَ الآبارِ العتيقة في الغابة السوداءِ.. "ييليليه"، يا شجرة الباؤوباب أيتها المرأةُ السوداء، أنتِ يا أمّي، إنما أنتِ من أدعوكِ: باؤوب تزخر بالحياة أغصانُها باؤوب.. يتبسّم مستقبلُها للقلوب باؤوب.. لم يشغفْ بها أحدٌ أشدَّ من شغفي أنا بها آه.. كيف لي أنْ أطارحكِ الحديثَ حديثَ الزهْو والفَخَار بهذه اللغةِ المتناسقة وأنتِ تجهلينَ كلماتِها؟ إيهِ.. أيّتها الإفريقية بمعْزلٍ عنكِ يا أمّي لنْ أكونَ شيئاً .. بل فراغاً سأكونُ فهأنَذا أُسديْ الشكرَ إليكِ على كلّ خيرٍ حبَوْتِنيهِ، وقبلَ أنْ تواريَكِ المنيّةُ في أغوارِ صمْتها القصيّة أقبّلُ غصونَ هامَتكِ.
حبيب الروح النخبه
موضوع: رد: قطوف من الادب الافريقى 21.04.11 7:46
لمحة جميلة و ثرية من قطوف أدبية افريقية و كلمات بالحب غنية عن حنان الأم الافريقية