رمضانُ جئتَ.. فما عسايَ أقولُ
والدمعُ من ألم الفراق يسيلُ؟
عامٌ مضى.. غفت القلوبُ، وأجدبت
هممٌ.. وأنكرت الثمارَ حقولُ
واستنفرتنا للمباهج أنفسٌ
مالت مع الأهواء حيث تميل
لا صيحة الإيمان أيقظت الربا
لترى ظلام الليل حين يزول
كلا.. ولا اقْتلع اليقينُ مضاجعاً
ألِفَتْ سباتا، دبّ فيه ذبول
وَتَجيءُ.. يفجؤنا المجيء.. كأنما
ركضت على فرسِ النيام خيولُ
ونلوذ بالتقوى، ونلتمس الهدى
بك.. يا أجَلَّ من اصطفاه جليلُ
أتراك تشفع للذين تنكبوا
واستبعدتهم عن سناك مُيُول؟
أنا لا أشك.. وإن يكن عصف الهوى
بالقلب.. لَكِنْ: شَرْحُ ذاك يطولُ
رمضانُ جئتَ.. فما لمثلك روعة
أبدا.. ولا لك في الشهور مثيلُ
تأتي.. فينطلق الرجاء.. مؤملاً
أن لا يضلَ عن القطيع فَصِيلُ
وتشدنا الدنيا لمعترك الهوى
فنخر صرعى.. قاتلٌ.. وقَتِيلُ
..حتى إذا ارتفعت يداك تحيةً
عدنا.. وعاد صباحُنا المأْمُولُ
أتراك تقبلنا.. جداولَ أجدبت
ورباً ذَوَتْ، وبها استبد نُحُولُ؟
وتشدنا مما يبدد عزمنا
إن شدنا للحب منك رسولُ؟
أنا لا أشك.. فأنت حين تجيئُنَا
يهتزُّ شوْقاً للعطاء بَخِيلُ
ويغادر العصيانُ قبوَ ضلاله
ويعزُّ بالإسلامِ فيك ذَلِيلُ
رمضانُ جئتَ.. وفي مجيئك فرحةٌ
ليست بها – أبداً – تحيط عقولُ
هي فرحةُ الغرقى بحصن نجاتِهِمْ
من بعد عَدْوٍ أتعبته سُيُولُ
هي فرحة الأمناءِ، يصعدُ صَوْمُهُمْ
لله، يطمع أن يتم قبولُ
هي فرحة فوق المآذن، ينتشي
يفيوضها – عند الأذان – قَبِيلُ
هي فرحةٌ بالأجر، يرفع كِفةً
إن لفّنا عند الحساب ذُهولُ
هي فرحةٌ.. أنا نصومُ نهارَنا
والله جلَّ بمن يصومُ كَفِيلُ
والصومُ يا رمضانُ – كان ولم يزل
أمل القلوب، به يصح عليلُ
فلتأتِ بالبشرى لأكرمِ أُمَّةٍ
في الأرضِ، كرَّمها بك التنزيلُ
ولك التحية.. ما أقمت بأرضنا
ولك التحيةُ.. ما احتواك رحيلُ