اسمحوا لى ان انقل لكم مقتطفات من كتاب " اصداء السيرة الذاتيه " للروائى العربى
" نجيب محفوظ "
نجيب محفوظ الروائي المصري الحائز على جائزة نوبل في الأدب وُلد في 11 ديسمبر 1911، وتوفي في 30 أغسطس 2006. كتب نجيب محفوظ منذ بداية الأربعينيات واستمر حتى 2004. تدور أحداث جميع رواياته في مصر وتظهر فيها ثيمة متكررة هي الحارة المصريه.
فى البدايه كان محفوظ يرد على التساؤل بشان عدم كتابته لسيرة ذاتيه بان له له عشرات المقابلات الصحفيه والتلفزيونيه فلاحاجه لكتابه سيرة ذاتيه . لكن سعيد جودة السحار مالك دار مكتبة مصر اصدرعام 1995م كتاب باسم " اصداء السيرة الذاتيه " ملخص فيه حياة محفوظ من خلال المقتطفات والومضات والقصص والعبارات القصيرة التى تحدث فيها عن الحياة والدين والسياسه وحبه الاول وعن زوجته والكثير والكثير ليتلخص لنا خلاصه تجارب وخبرات محفوظ ..
اترككم ليتجدد اللقاء ان شاء الله مع كل ومضه من ومضات اصداء سيرة محفوظ اللامعه لنتعرف على ملخص حياة " نجيب محفوظ "
من هذا العجوز الذي يغادر بيته كل صباح ليمارس رياضة المشي ما استطاع إليها سبيلا؟ إنه الشيخ مدرس اللغة العربية الذي أحيل على المعاش منذ أكثر من عشرين عاما. كلما أدركه التعب جلس على الطوار أو السور الحجري لحديقة أي بيت، مرتكزا على عصاه مجففا عرقه بطرف جلبابه الفضفاض .
الحي يعرفه والناس يحبونه ، ولكن نادرا ما يحييه أحد لضعف ذاكرته وحواسه. أما هو فقد نسي الأهل والجيران والتلاميذ وقواعد النحو.
وجدت نفسي طفلا حائرا في الطريق. في يدي مليم، ولكن نسيت تماما ما كلفتني أمي بشرائه، حاولت ان أتذكر ففشلت، ولكن كان من المؤكد أن ما خرجت لشرائه لا يساوي أكثر من مليم
يطاردني الشعور بالشيخوخة رغم إرادتي وبغير دعوة. لا أدري كيف أتناسى دنو النهاية وهيمنة الوداع. تحية للعمر الطويل الذي أمضيته في الأمان والغبطة. تحية لمتعة الحياة في بحر الحنان والنمو والمعرفة.
الآن يؤذن الصوت الأبدي بالرحيل. ودع دنياك الجميلة وأذهب إلى المجهول . وما المجهول يا قلبي إلا الفناء. دع عنك ترهات الانتقال إلى حياة أخرى. كيف ولماذا وأي حكمة تبرر وجودها؟ أما المعقول حقا فهو ما يحزن له قلبي. الوداع أيتها الحياة التي تلقيت منها كل معنى ثم انقضت مخلفة تاريخا خاليا من أي معنى .
يا ربة البيت أصحي، صلي ثم ابسطي يديك بالدعاء. جهزي الفطور وادعي إلى المائدة رجلك وأولادك. عاوني الصغار على تنظيف أنفسهم وكشري لمن يركن إلى الكسل.اكنسي بيتك ورتبيه وتسلي بترديد أغنية.
سوف يجمعهم الحظ السعيد حول مائدة العشاء إذا سمح الدهر ويبقي الأولاد للمذاكرة. ويذهب الرجل إلى المقهى للسمر.اغتسلي ومشطي شعرك وغيري ملابسك وبخري غرفة النوم . قد شهد اليوم ما يستحق الشكر والحمد.
تذكري ذلك إذا جاء اليوم الذي يتفرق فيه الجميع كل إلى سكنه واليوم الذي تجد هذه الذكريات من يتذكرها.
ذهبت ذات صباح إلى مدرستي الأولية محروسا بالخادمة. سرت كمن يساق إلى سجن. بيدي كراسة وفي عيني كآبة. وفي قلبي حنين للفوضى، والهواء البارد يلسع ساقي شبه العاريتين تحت بنطلوني القصير. وجدنا المدرسة مغلقة، والفراش يقول بصوت جهير :
بسبب المظاهرات لا دراسة اليوم أيضا.
غمرتني موجة من الفرح طارت بي إلى شاطئ السعادة ومن صميم قلبي دعوت الله أن تدوم الثورة إلى الأبد.
تتربعان فوق كنبة واحدة . تسمران في مودة وصفاء ، الأرملة في السبعين وحماتها في الخامسة والثمانين نسيتا عهدا طويلا شحن بالغيرة والحقد والكراهية والراحل استطاع أن يحكم بين الناس بالعدل، ولكنه عجز عن إقامة العدل بين أمه وزوجه ولا استطاع أن يتنحى ، وذهب الرجل فاشتركت المرأتان لأول مرة في شيء واحد وهو الحزن العميق عليه. وهدهدت الشيخوخة من الجموح، وفتحت النوافذ لنسمات الحكمة. الحماة الآن تدعو للأرملة وذريتها من أعماق قلبها بالصحة وطول العمر، والأرملة تسأل الله أن يطيل عمر الأخرى حتى لا تتركها للوحدة والوحشة .
رجعت إلى الشارع القديم بعد انقطاع طويل لتشييع جنازة. لم يبن من صورته الذهبية أي أثر يذكر.على جانبيه قامت عمارات شاهقة في موضع الفيلات، واكتظ بالسيارات والغبار وأمواج البشر المتلاطمة. تذكرت بكل إكبار طلعته البهية وروائح الياسمين.وتذكرت الجميلة تلوح في النافذة باعثة بشعاعها على السائرين.
ترى أين يقع قبرها السعيد في مدينة الراحلين؟ ويوافيني الآن قول الصديق الحكيم :
" ما الحب الأول إلا تدريب ينتفع به ذوو الحظ من الواصلين".
بدأ الأوتوبيس مسيرته من الزيتون في نفس اللحظة التي انطلقت فيها سيارة رجل من مسكنه في حلوان.
غيرت كل منهما سرعتها ، أسرعت وأبطأت، وربما توقفت دقيقة أو أكثر تبعا لما لاقته في سيرها من ظروف الطريق.
ولكنهما بلغا ميدان المحطة في وقت واحد، بل ووقع بينهما صدام خفيف، وكان رجل يمر فانحصر بين السيارتين ، وسقط فاقد الحياة. كان يعبر الميدان ليحجز مقعدا في قطار الصعيد.
كان يمر بمجالسنا وهو يصيح : - إنها آتية لا ريب فيها . - ثم يمضي مهرولا فلا يبقى منه إلا منظر ثيابه المهلهلة ونظراته الشاردة ووقعت الكارثة. - قوم قالوا : إنه ولي من الأولياء. - وقوم قالوا : ما هو إلا عميل من العملاء.