من يحكم مصر بعد رحيل حسني مبارك :

قلم د. محمد أبوالغار

منذ عدة شهور ومع اقتراب موسم الانتخابات فى مصر لمجلسى الشعب والشورى ثم الرئاسة، بدأت دلائل كثيرة على أن الشعب فى عمومه فى غاية القلق بسبب التغييرات الدستورية التى أجرتها الدولة منذ فترة واعتبرها سداً منيعاً ضد الديمقراطية والانتخابات النزيهة وتداول السلطة، وبعد أن أعلن الدكتور البرادعى من فيينا رغبته فى خوض غمار السياسة فى مصر بغرض تحقيق الديمقراطية، وعند عودته إلى مصر أعلن قائمة المبادئ التى طلبها حتى تكون هناك فرصة للمصريين للتنافس الشريف، ظهر للجميع أن تغيير الدستور أمر ضرورى لحدوث أى تغيير ديمقراطى، وكانت مواد الدستور الثلاث التى تتيح عدداً لا نهائى من المرات على كرسى الرئاسة، والأخرى التى تضع قيوداً مستحيلة على الدخول فى حلبة المنافسة، والثالثة وهى إلغاء الإشراف القضائى على كل صندوق انتخابى، بالإضافة إلى حالة الطوارئ.. كل هذا لا يسمح بأى منافسة حقيقية أو نزيهة، والأمر بالوضع الحالى لا يعدو أن يكون مسرحية تشرف عليها وزارة الداخلية.

وفور ظهور هذه المطالب أدلى السيد صفوت الشريف، رئيس مجلس الشورى، بتصريح نُشر فى الصفحة الأولى من «الأهرام» بأنه لا توجد نية أو تفكير فى أى تغيير للدستور. وفى اليوم التالى ظهر تصريح آخر فى نفس المكان بنفس المعنى والوضوح للسيد جمال مبارك، رئيس لجنة السياسات بالحزب الوطنى. والمعروف أن التصريحين قد أدلى بهما اثنان من كبار المقربين من الرئيس، أحدهما من الحرس القديم، والآخر أهم شخصية فى الحرس الجديد، وقد ظهر جلياً أن هناك قراراً بعدم تغيير شىء وليضرب المصريون رؤوسهم فى الحائط، والرأى العام الشعبى العارم لن يلتفت إليه أحد.

وقد حدثت عدة تطورات مهمة بعد ذلك أولها أن الرئيس مبارك قد قام بإجراء جراحة فى الجهاز الهضمى فى ألمانيا وعاد بعد إقامة ثلاثة أسابيع فى المستشفى ليمضى فترة نقاهة فى شرم الشيخ. كانت الخطة التى ناصرها الحرس القديم أن إعادة ترشيح الرئيس مبارك للمرة السادسة هو الحل المناسب للتغلب على المصاعب الشعبية القوية فى حالة ترشيح السيد جمال مبارك، ويبدو أن الخطة بدأت تأخذ موضع التنفيذ على أن يسبقها تحديد عدد مقاعد الإخوان فى مجلس الشعب، وإسقاط كل النواب المستقلين الذين تعتبرهم الحكومة مشاغبين لأنهم يكشفون حجم الفساد، وربما توسع الطريق أمام بعض الأحزاب للحصول على مقاعد فى المجالس النيابية حتى يكون شكل المسرح النيابى أكثر ملاءمة محلياً ودولياً.

مرض الرئيس وظهور البرادعى أدخلا عوامل جديدة فى المعادلة السياسية، من الناحية الأولى لا أحد يستطيع أن يجزم هل سوف يترشح الرئيس مبارك أم لا، ومن الناحية الثانية ظهر بوضوح شديد أن هناك شعبية كبيرة لمطالب البرادعى من ناحية، وقبولاً لشخصيته المحترمة النظيفة من ناحية أخرى، وأدى هذا التيار الشعبى إلى تحرك الأحزاب فعقدت مؤتمراً طالبت فيه بقوة بنفس المطالب التى ينادى بها البرادعى، وظهر للجميع أن سياسة الدولة عبر عقود بأن أى تغيير يعنى تولى الإخوان المسلمين الحكم غير صحيح، وأن الإخوان أحد الروافد الشعبية المهمة, ولكن هناك روافد كثيرة أخرى فى مصر، وأن فزاعة الإخوان لم تعد تجدى.

إذا لم يترشح الرئيس مبارك, وهو احتمال وارد، لابد من مرشح آخر من الحزب الوطنى، والواضح أنه لا توجد شخصية لها شعبية أو رصيد لدى الجماهير، وفى نفس الوقت ربما لا تستطيع الدولة، بالمواد العجيبة فى الدستور، أن تجد مرشحاً آخر من أى مكان يكون منافساً للحزب الوطنى، وسوف تكون هناك مشكلة، ولذا أعتقد أن الدولة تفكر جدياً فى تغيير هذه المادة المعيبة، وسوف تطلب من نفس الترزية، الذين قاموا بتفصيلها بطريقة ضيقة لا أحد يستطيع أن يرتديها، أن يوسعوها قليلاً حتى يمكن أن يصبح الأمر مقبولاً.

وفى نفس الوقت لا مانع من تقييد فترة الرئاسة بمدتين فقط لأن تغييرها مستقبلاً وارد كما حدث فى عصر السادات، وبذا يبدو للجميع أن الدولة تريد تغييراً ديمقراطياً ولكن المادة التى تفرض قاضياً على كل صندوق لن يمسها أحد لأنها هى المادة الحاكمة التى تجعل وزارة الداخلية مسؤولة عن كل شىء والتى بالطبع سوف تقوم بتزوير أى نتائج انتخابية كما تريد، مثلما فعلت عشرات المرات من قبل وحتى تتفادى الدولة فضائح قفل الشوارع لمنع الناخبين كما حدث من قبل.

يبقى قانون الطوارئ وهو مشكلة كبرى، لأنه لا يوجد أى مبرر حالياً لاستمرار القانون، والقانون مصدر شكوى فى الداخل والخارج ولكن المشكلة أن الدولة المصرية لا تستطيع أن تحكم بدون قانون طوارئ، ولا يمكن أن تحكم تحت سلطة قضائية مستقلة، فهذه مشكلة لأن الرئيس وعد فى برنامجه الانتخابى بإلغائها، فالحكومة فى الأغلب سوف تمد قانون الطوارئ لأن قانون الإرهاب مهما قام الترزية بتفصيله على أن كل مصرى هو إرهابى محتمل فلن يقوم مقام قانون الطوارئ اللذيذ الذى تعودوا عليه وكانت الحياة بالنسبة للحكومة سهلة وبسيطة فى وجوده.

أعتقد أن الدولة فى طريقها لعمل استفتاء قد يكون توقيته بعد الانتخابات النيابية، وذلك لتغيير البنود التى ذكرتها فى الدستور وحتى يبدو المظهر جيداً، على أن يستمر الأمر كما هو عليه على أرض الواقع.

الذين سوف يقفون أمام الدولة هم المصريون الذين سوف يدافعون عن حقوقهم المهضومة، وسوف يتخلون عن سلبيتهم ليصبحوا مثل كل شعوب العالم يحكمون أنفسهم بأنفسهم، ولننس مقولة أننا كنا ننعم بالاستقرار لسنوات طويلة، لأننا كنا فى الحقيقة ننعم بالركود الذى يؤدى إلى الموت البطىء لأمة بأكملها.

قوم يا مصرى مصر دايماً بتناديك.