كانَ من عادَةِ الخليفةِ الراشدِ عمرَ بنِ الخطّابِ – رضي اللهُ عنه- أن يخرجَ في كلِّ
يومٍ إلى حاراتِ المدينةِ كي يتفقّدَ أحوالَ الناسِ, ويطمئنَّ على أمورِهم, ويتعرَّفَ مشكلاتِهم وهموَمهم وأمورَ معيشتِهم.
خرجَ الخليفةُ ذاتَ يوم لهذه المهمَّةِ, وبينما هو يطوفُ بين الأحياءِ، سمع من نافذةِ أحدِ البيوتِ حواراً بين بنتٍ وأمِها.
كانتِ الأمُّ تقولُ لابنتِها:
- أَفَعَلْتِ ما أمرتُكِ به؟
فردَّتِ البنتُ:
- لا يا أُمي لم أفعلْ..
فغضبتِ الأمُّ وقالت :
- لماذا عصيتِ أمري ؟ ألم أقلْ لكِ : اخلِطي اللبنَ بالماءِ؟
قالتِ البنتُ:
- ولكن هذا حرامٌ يا أُمي. . وقد نهى أميرُ المؤمنين عمرُ بنُ الخطابِ عن ذلك.. وسيعاقبُ عليه..
قالتِ الأمُّ :
- وأينَ عمرُ حتى يرانا الآنَ؟
قالتِ البنتُ بثقةٍ وقوةٍ :
- إذا لم يكنْ عمرُ يرانا يا أمي، لأنه بعيدٌ عنا الآنَ، فإن ربَّ عمرَ يرانا، وإذا لم نخفْ من عمرَ وعقابَه
أفلا نخافُ اللهَ الذي يرى كلَّ شيءٍ, ولا تخفى عليه خافية ٌ؟..
قالتِ الأمُّ :
- صدقتِ يا بُنَيَّتي..
كان عمرُ بنُ الخطابِ- رضيَ اللّهُ عنه- يسمعُ هذا الكلامَ، فأُعجب بالفتاةِ إعجاباً منقطعَ النظيرِ. أدرك
أنها فتاةٌ صادقةٌ, وأنها تقية ٌ قويةُ الإيمانِ.
وفي اليومِ التالي، أرسلَ امرأتََه تخطبُ هذه الفتاةَ لابنِه عاصمٍ.
تزوج عاصمٌ هذه الفتاةَ, فأنجبتْ له بنتاً مباركةً طيبةً, ثم تزوجتْ هذه البنتُ-التي هي حفيدةُ عمرَ بنِ الخطاب،
رضي الله عنه - فكان من نسلِها فيما بعدُ الرجلُ الصالحُ العادلُ عمرُ بنُ عبدِ العزيزِ، أحدُ خلفاءِ بني أُميةَ، والذي
شُبِّه – بسبب تقواه وعدلِه وفضلِه – بالخلفاءِ الراشدين, وصار يعدُّ واحداً منهم، فيسمى "خامسَ الخلفاء الراشدين".
وهكذا انتقى عمرُ بنُ الخطابِ – رضيَ اللهُ عنه –لابنِه الزوجةَ الصالحة َ، ذات الدين، امتثالاً لأمر رسول الله -
صلى الله عليه وسلم – "اظفرْ بذاتِ الدينِ ترِبَتْ يداك" فأنجبتْ عظماءَ الرجالِ، لأنّ الطيِّبَ لا يُنجبُ إلا طيِّباً.